صنع الله ، ومن كمال قدرته .. حيث تتنوع أفراد الجنس الواحد .. شجرة شجرة ، وتختلف ثمرات الشجرة .. ثمرة ثمرة .. وعلى هذا تكون «الواو» فى قوله تعالى : (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) وهى واو الحال ، والجملة بعدها حالية. وذلك فى قراءة من قرأ وغير بالرفع ، أي يبدو مشتبها ، والحال أنه غير متشابه ، وهذا هو السرّ فى اختلاف النظم بين مشتبه ومتشابه!!
وقوله تعالى : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) إغراء بتوجيه النظر ، وإعمال الفكر
فى هذه المخلوقات ، وما يجىء منها إلى الناظر إليها وهى فى حال إزهارها وإثمارها ، من جمال رائع ، وحسن فتّان ، يشيع فى النفس البهجة والمسرّة ، ويثير فى العقل أشواقا وتطلعات إلى التعرف على أسرار هذا الجمال واستكشاف ينابيعه ومصادره الأولى التي يجىء منها.
والإنسان إذ يلقى الطبيعة وهى فى نضارة شبابها ، وروعة حسنها ، إنما يتيح له ذلك مجالا فسيحا للاندماج بها ، والتعايش معها ، الأمر الذي يسمح للطبيعة أن تبوح له بكثير من أسرارها ، وتأتمنه على الكثير مما احتفظت به فى كيانها ، وضنّت به على من لا يدنون منها ، ولا يتعاطفون معها.
أليس هذا شأن كل أمر يريد الإنسان أن ينتفع منه ، ويملأ يديه من الخير الذي فيه؟. إنه لن ينال شيئا من أي أمر يعالجه ، ويريد فتح مغالقه ، إلا إذا تألّفه وأحبّه وأنس به ، وأقبل عليه فى حبّ وشوق!
ومن هنا كانت دعوة القرآن بالنظر إلى الطبيعة وهى فى حلل جمالها وبهائها ـ هى فى الواقع دعوة ضمنية إلى التزود من العلم والمعرفة ، إذ يكون النظر إليها فى تلك الحال نظرا جادّا ، باحثا ، مستلهما ، لا نظرا عابثا ، لاهيا ، متفكها بألوانها ، وأصباغها.
وانظر إلى معارض هذه الآيات الكريمة ، وما يحمل كل معرض منها