أما الوقوف بالخمر عند ما أخذ من العنب والنخل ، فهو محمول على قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) (٦٧ : النحل) .. ولكن الحديث ، وإن أشار إلى أن الخمر من النخل والعنب ، فإنه لم يحصره فيهما ، وكذلك الآية الكريمة .. وإن دل ذلك على أن أكثر ما كان معروفا متداولا عند العرب من خمر ، هو ما كان من هاتين الشجرتين. إذ كانت النخيل والأعناب أكثر أشجار الفواكه ، وأهمّها عند العرب ، ولذلك كان وصف الجنات الدنيوية والأخروية ، أبرز ألوانه النخيل والأعناب كقوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) (٣٢ : الكهف) ..
وقوله سبحانه : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) (٢٤٤ : البقرة) .. وقوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) (٩٠ ـ ٩١ : الإسراء).
وإشارة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى النخل والعنب ، تعنى أنه لم يكن من بين الأشجار القائمة بين يديه ، والماثلة أمام عينيه ، ما يتخذ منه الخمر غير هاتين الشجرتين .. يومئذ ..
ولهذا ، فإنه صلىاللهعليهوسلم فى موقف آخر ، لم يكن بين يديه أشجار ، قال : «إن من العنب خمرا ، وإنّ من التمر خمرا ، وإن من العسل خمرا ، وإن البرّ خمرا ، وإنّ من الشعير خمرا» .. وحصر النبي صلىاللهعليهوسلم الخمر فيما صنع من هذه الأشياء ، هو تقرير للواقع ، ولو كان هناك مواد أخرى متخذ منها العرب الخمر لذكرها.