ناطق ، وأفحم كل منطيق ، وسقطت بين يدى حجته الدامغة كل مقولة لملحد ، وكل حجة لمشرك ، وبهذا استحق إبراهيم أن يلقى من ربّه هذا التكريم ، وأن ينعته هذا النعت العظيم بقوله سبحانه : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٢٠ : النحل).
فهو أمة وحده ، ومجتمعه أشبه بفرد واحد إزاء هذه الأمة العظيمة ، أو هو الأمة ، وقومه لا شىء ، إذ كان هو الإنسان الوحيد فيها ، الذي يحمل عقل الإنسان وينتفع به.
وقوله تعالى : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) هو تنبيه إلى أن هذا الذي كان عليه إبراهيم من قوة الإيمان ، ووثاقة اليقين ، هو من فضل الله ، يضعه حيث يشاء.
وفى قوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) التفات من رب كريم إلى النبىّ الكريم ، وقد نازعته نفسه ، وهفت به أشواقه إلى فضل الله وإحسانه ، الذي رأى آثاره فى إبراهيمعليهالسلام .. فجاء قوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّكَ) ليشعر النبي أنه فى ضيافة ربه ، وكفى ما يلقاه الضيف الذي ينزل فى ضيافة ربّ العالمين .. «الحكيم» فى تقدير الأمور «العليم» بعباده ، وبمن هم أهل لمزيد فضله ، وعظيم إحسانه.
ومن فضل الله على إبراهيم ـ عليهالسلام ـ أن بارك عليه فى ذريته ، وجعل من نسله الأنبياء والمرسلين ..
(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا ، وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) .. فهذا هو جزاء المحسنين ، وتلك هى عاقبة الإحسان ، تمتد آثاره