ومع هذا ، فقد أوسع الله لهم فى باب رحمته ، فكشف عنهم الضرّ ، ودفع عنهم البلاء .. فلما اطمأنوا ، عادوا إلى ما كانوا عليه من شرك وكفر .. (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ).
وقوله سبحانه : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ).
فالله الرحمن الرحيم ، هو منتقم شديد العقاب .. قادر على أن يبعث على هؤلاء المشركين المحادّين لله ورسوله ، صواعق مهلكة من السماء ، أو بحارا مغرقة من الأرض ، أو أن يلبسهم شيعا ، أي يجعلهم أهواء متفرقة ، ومذاهب متقاتلة ، يضرب بعضهم بعضا ، ويذيق بعضهم بأس بعض ..
وقوله تعالى : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أي يخلطكم شيعا وفرقا ، حتى ليكاد يلبس بعضكم بعضا ، كما يلبس الجسد الثوب ، مع تفرقكم مشاعر وعواطف ونزعات .. وهذا هو البلاء ، أعظم البلاء ، يصاب به مجتمع ، يحويه مكان واحد ، وحياة واحدة .. وإنه لا نعمة أعظم من نعمة الألفة بين قلوب الجماعة ، تلك الألفة التي تجمعها على الحب والمودة والرحمة ، وفى هذا يقول الله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً).
وقوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ). إلفات لكل ذى عقل أن ينظر إلى هذه الآيات التي تكشف عن جلال الله ، وقدرته ، وعلمه وحكمته ، والتي يجلّيها فى معارض شتّى ، بحيث يرى منها كل ذى نظر ، وجه الحق ، ويتعرف طريقه إلى الله .. وما ذلك إلا ليتنبه هؤلاء