معها عاقل .. وتكرار الأمر «قل» هو ـ كما قلنا ـ مزيد من عناية الله ـ سبحانه ـ بالرسول الكريم ، وإشعار له بأنه مأنوس برحمة الله ، إذ يضع سبحانه وتعالى على فمه كلماته ، وآياته ، ليلقى بها المشركين ، ويفضح باطلهم ، ويكشف ضلالهم.
وقوله تعالى : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) هو تتمة مقول القول ، فى قوله تعالى : (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) لأن من يتبع أصحاب الهوى يضلّ ولا يهتدى أبدا. وأنتم أيها المشركون أصحاب هوى وضلال ، فلو اتبعتكم كنتم مثلكم من الضالين ، وحاشا لله أن أفعل هذا ، وأن ألقى بنفسي إلى التهلكة.
وقوله تعالى : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي على أمر واضح مشرق من صلتى بربّى ومعرفتى به ، تلك المعرفة التي لا يدخل عليها شك أو ريب ، ولا يلحقها وهن أو ضعف .. وحرف «على» هنا يفيد الاستعلاء والتمكن ، وهذا يعنى أن معرفة النبىّ بربّه معرفة كاملة ، تملأ القلب يقينا واطمئنانا ، فلا يتحول عنها أبدا.
وقوله سبحانه : (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) هو عطف على قوله تعالى : (إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) من عطف الجمل .. أي إنى على معرفة بربّى وقد آمنت به ، وأنتم على ضلال وعمى فكذبتم به ، ولم تتخذوه إلها واحدا تعبدونه.
وقوله تعالى : (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ) أي ليس فى يدىّ العذاب الذي تستعجلونه ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) (٥٣ : النمل) .. وما حكاه سبحانه وتعالى على لسانهم فى قوله : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢ : الأنفال)