هو والناس عند الله فى ميزان العمل على سواء .. كلّ مجزىّ بعمله ، من إحسان أو إساءة ..
فهؤلاء الفقراء المستضعفون الذين يدعون ربهم بالغداة والعشىّ ، يرجون رحمته ، ويخشون عذابه ـ إنما يعملون لأنفسهم ، كلّ يطلب لها السلامة والنجاة ، فكيف يطردهم النبىّ ـ كما تتوهم قريش ـ من هذا الميدان الذي اختاروا العمل فيه ، طالبين النجاة من عذاب الله ، والفوز برضوانه؟ إن النبىّ لا يحمل عنهم ما يكون منهم من تقصير فى جانب الله ، إذا هم طردوا من هذا المورد العذب الذي يتزودون منه فى طريقهم إلى الله .. فكيف يطردهم؟ أيحمل عنهم وزرهم يوم القيامة؟ إنهم محاسبون على أعمالهم ، وإنهم لمجزيّون عنها .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي إن النبىّ لن يضارّ بما يحملون من سيئات ، إذ أن كلّ نفس تحمل ما كسبت .. والله سبحانه يقول : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) (١٨ : فاطر) .. (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي إنك لن تحمّلهم شيئا من حسابك .. وإذن ، فدع هؤلاء يعملون لأنفسهم ، كما تعمل أنت لنفسك ، وإنه لمن الظلم أن يرفع أحد يدهم عن العمل الذي يريدون به وجه الله ، وحسن المآب إليه .. ولهذا جاء قوله تعالى : (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) ـ حكما قاطعا بالظلم على من يتصدّى لمن يؤمن بالله ، ويشغل قلبه ولسانه وجوارحه بذكره.
ولا شك أن المشركين من زعماء قريش إذ يرون هذا الحساب الذي بين النبىّ ـ صاحب الرسالة ـ وبين أضعف الناس شأنا ، وأنزلهم منزلة فى نظرهم ـ إنهم إذ يرون هذا الحساب ، يجدون أنه قائم على العدل والإحسان ، وأن الناس عند الله ـ حتى الأنبياء ـ بأعمالهم ، وليس بمالهم من رياسات دينية