المشركين من زعماء قريش ، الذين كانوا يأخذون على النبىّ أنه لا يألف إلا هؤلاء الفقراء المستضعفين ، ولا يألفه إلا هؤلاء .. وأن مجلسا يضم مثل تلك الجماعة فى فقرها ، وضعفها ، ليأنف زعماء قريش أن يكون لهم مكان فيه ..
ولهذا جاء النهى إلى النبىّ الكريم ، ليقرع أسماع المشركين ، وليريهم أن محمدا لن يتخلى أبدا عن هؤلاء الفقراء الذين تزدرى أعينهم ، وأنه إذا كان ألف صحبة هؤلاء الفقراء وأنس بهم قبل أن يتلقى أمر ربه بشأنهم ـ فإنه الآن وقد جاءه من ربّه هذا النهى الذي يلبس صورة الأمر بالحفاظ على تلك الجماعة الفقيرة المؤمنة ، وملء يده منها ، وإعطائها وجهه كله ـ إنه لن يتخلّى أبدا عن تلك الجماعة ، ولو وقعت السماء على الأرض .. إنه لن يعصى أمر ربّه ، ولن يخرج عنه بحال أبدا .. هذا ما تعرفه قريش فيما عرفت من محمد ، وأخذه بكل كلمة جاءته من ربه ، أو يقول أنها جاءته من ربه ، كما تزعم قريش.
إذن ، فهذا النهى هو كبت لقريش ، ولزعمائها خاصة ، واستخفاف بهم ، وأنهم أقلّ شأنا ، وأخفّ ميزانا عند الله الذي يدعوهم محمد إليه ، وأن حساب النّاس فى هذا الدين الذي يدعو إليه ، ليس بجاههم وسلطانهم ، وأنسابهم ، وأحسابهم ، وإنما هو مائدة ممدودة من الله لعباد الله ، فمن أخذ مكانه منها ، لم يكن لأحد أن يزحزحه عنه .. إنه فى ساحة الله ، وعلى مائدة الله .. وعلى ما تطول يد الإنسان من هذه المائدة يكون حظه من الخير ، ومكانه من الله ..
وفى قوله تعالى : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) ـ فى هذا بيان كاشف لحساب الناس عند الله ، وأنهم عنده بأعمالهم ، لا بأحسابهم وأموالهم ..
وهذا هو النبىّ الكريم ، حامل رسالة السماء ، ومبعوث ربّ العالمين ،