الاعتراف من النبىّ ، يلقى به إلى أسماع من يستمعون إلى هذا الاعتراف ، وأن هؤلاء المستمعين ، بين أعمى لا يرى مواقع الخير ، ولا يهتدى إلى طريق الحق ، وبصير ، يتهدّى إلى الخير ، ويستقيم على طريق الهدى .. وأنه لا يستوى الجاهل والعالم ، ولا الأعمى ولا البصير ، ولا الضال ولا المهتدى .. وفى الاستفهام الإنكارى تنبيه للغافلين من غفلتهم ، وإيقاظ للنائمين من نومهم ، ليستقبلوا هذا النور الذي بين يدى النبىّ ، وليفتحوا عيونهم عليه ، وليسيروا على هديه ، إن أرادوا لأنفسهم النجاة والسلامة والخير.
قوله سبحانه : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) هو توجيه للنبىّ الكريم أن يتّجه بدعوته إلى حيث تجد آذانا تسمع ، وقلوبا تعى ، فإنه حينئذ يرجو لدعوته استجابة ونجحا فى نفوس مهيأة للاستماع والتعقل .. والضمير فى «به» يعود إلى القرآن الكريم.
والنبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وإن كان مأمورا بأن يدعو النّاس جميعا إلى الله ، وأن يقوم فيهم بشيرا ونذيرا ، إلّا أن الفاته إلى من فيهم الاستعداد للاستماع والاستجابة ، أولى ممن لا يسمع ولا يعقل ، ولا يجيب .. أو قل إن دعوته وما تحمل من هدى ونور ـ وإن كانت موجهة إلى الناس جميعا ـ إنّما يفيد منها ، وينتفع بهديها ، هم أولئك الذين يخشون ربهم ، ويخافون عذابه ، وبهذا يبدو غيرهم وكأنه غير مدعوّ إلى هذا الخير المساق إلى الناس كلّهم ، وفى هذا ما فيه من تضييع لهؤلاء الصادّين عن سبيل الله ، وإهدار لوجودهم بين الناس ..!
وقوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) جملة حالية ، وصاحب الحال هو الضمير فى «يحشروا» .. أي أن هؤلاء الذين يخافون أن يحشروا