الكافرين المعاندين ، وأنهم لن يسمعوا كلمة الحق ، ولن يعطوها آذانا واعية ، ولهذا كان من الحكمة ألا يلحّ عليهم أحد بما يدعوهم إليه من حقّ وهدى ، فإنهم لن يسمعوا ، ولو سمعوا ما استجابوا .. (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) أي الذين يسمعون سمعا عاقلا متدبرا .. يصغى ، ويفكر ، ويعقل .. أما هؤلاء وإن كانت لهم آذان يسمعون بها فإنها تصبح ثقيلة عند سماع الحق ، كأن بها وقرا ، لأن قلوبهم مريضة ، وعقولهم سفيهة ، (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣ : الأنفال).
وقوله تعالى : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) معطوف على قوله سبحانه : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) أي أن هذين الأمرين من واد واحد ، إذ هما ممكنان واقعان فى قدرة الله : استجابة الذين يسمعون ويعقلون ، لما يسمعونه ويعقلونه ، وبعث لأموات من قبورهم يوم القيامة.
وفى الجمع بين الأمرين دلالتان :
أولاهما : أن الناس لهم كسب ولهم إرادة ، وقدرة ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) وأن الله سبحانه وتعالى لم يكلّف الناس إلّا ما هو ملائم لطبيعتهم ، مناسب لقدرتهم ، أما ما فوق ذلك فلم يكلّفوا به ، ولم يحاسبوا عليه ، كبعث الموتى ، الذي هو مما لله وحده «والموتى يبعثهم الله».
وثانيتهما : أن الضّالين المعاندين من الناس ، الذين لم يستمعوا للحق ، ولم يستجيبوا له ، قد وضعوا بذلك أنفسهم موضع العجز المطلق ، أمام هذا الأمر الممكن الذي دعوا إليه ، فكأنهم والأموات سواء .. فكما يستحيل على الأموات أن يبعثوا من تلقاء أنفسهم ، كذلك يستحيل على هؤلاء الضالين المعاندين أن يستمعوا للهدى وأن يستجيبوا له بطبيعتهم .. والأموات يبعثون حين يريد الله بعثهم ودعوتهم إليه ، والضالون الشاردون عن الله ، يهديهم الله ، إذا أراد لهم