(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ؟) أي إن شقّ عليك إعراض قومك عنك ، فحاول ـ إن استطعت ـ أن تشق الأرض ، أو ترقى فى السّماء ، لتأتيهم بما يقترحون عليك من آيات!
وليس هذا دعوة من الله سبحانه للنبىّ أن يفعل هذا ، وإنما هو صرف له عن هذا اللغو الذي يلغوا به قومه ، من مقترحات يقترحونها عليه ، وتيئيس لهم من أن يكون لهذا اللّغو قبول عنده ..
وفى قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) إشارة إلى أن ما قدمته السّماء من آيات هو القدر المطلوب لهداية من فيه استعداد لقبول الحق ، حين تلوح أماراته ، وتظهر له دلائله .. وليس من حكمة السّماء أن تقهر الناس قهرا على الإيمان ، ولا أن تحملهم حملا على الهدى ، فإن مثل هذا الإيمان الذي يجىء إليه الإنسان قهرا وقسرا ، هو إيمان لا دخل لكسب الإنسان فيه ، ولا جزاء له عليه ، إذ أنه ليس من سعيه وكسبه ، والله سبحانه وتعالى يقول : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (٣٩ ـ ٤١ : النجم) .. ولو أراد سبحانه وتعالى أن يدخل الناس جميعا فى الإيمان لفعل ، ولوضع بين يدى المعاندين والكافرين والمشركين من الآيات القاهرة ما يحملهم على الإيمان ، حيث لا يجدون معها سبيلا إلى الإنكار والجحد .. ولكنّه سبحانه أراد أن يكون للإنسان تقديره وتفكيره ، فيما يحمل إليه رسل الله من آيات ، يرى فيها العقلاء دلائل الحق ، وأمارات الهدى ، ولا يرى فيها الضّالون والمعاندون شيئا يفتح لهم الطريق إلى الله .. وفى هذا ابتلاء وامتحان ، (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) .. (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) فما قوة فى هذا الوجود تردّ مشيئة الله ، ونفاذ ما يشاء .. ولكنّه سبحانه وضع