كإنسان ، ويأخذون شهادته على كل ما يقول فيما هو من شئون دنياهم .. فإذا جاءهم بآيات ناطقة من عند الله ، وقال لهم إنها كلام الله ، وأنه رسول الله بها إليهم ، أنكروا عليه هذا القول بنسبتها إلى الله ، وقالوا : إنها سحر ساحر ، وتلقيات ممسوس! ولو عقلوا لما وجدوا لهذا القول مستندا من عقل أو منطق .. إذ كيف لا يتّهم إنسان بالكذب فى حال ، ثم يتهم به فى حال أخرى؟ إن الإنسان وحدة متكاملة ، فى خلقه ، فإمّا أن يكون صادقا لا يكذب ، وإما أن يكون ممن لا يتحرّى الصدق فى كلّ قول .. وقد عرفوا «محمدا» أنه صادق على وجه واحد ، مدة حياته معهم ، من مولده إلى مبعثه .. لم تجرب عليه كذبة قط .. فكيف يكذب بعد الأربعين؟ وكيف يكذب أشنع الكذب ، وأفحشه ، بتلك الدعوى التي يدعيها على الله ربّ العالمين؟ ذلك محال ، بل وأكثر من محال ، لأن شواهد الصّدق ودلائله ناطقة فى كلام الله ، مستغنية عن صدق من يجىء إلى الناس بها ويعرضهم عليها .. فكيف إذا كان من يجيئهم بها ويعرضها عليهم ، غير متّهم بكذب ، أو مجرب عليه شهادة زور عندهم؟
قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) (٣٤ : الأنعام) هو عزاء بعد عزاء للنبىّ الكريم ، ورحمات من ربّ رحيم تتنزّل عليه ، وهو فى مواجهة هذا العناد والعنت الذي يلقاه من قومه .. وفى هذا العزاء يرى النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مشاهد كثيرة لهذا المشهد الذي يعيش فيه .. فهناك رسل كثيرون من رسل الله قد كذّبوا من أقوامهم ، وأوذوا فى أنفسهم من سفهاء قومهم ، ولكنهم اعتصموا بالصبر ، واحتملوا الأذى فى سبيل الرسالة الكريمة التي شرفّهم الله بها ..
فهذا نوح عليهالسلام ـ يلقاه قومه بالنكير والاستهزاء ، ويلاحقونه بالأذى والضرّ ـ وفى هذا يقول الله على لسانه : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ