نعم الله طريقا يصلهم إلى الله ، ويقرّبهم منه ، ويقيمهم على الشكر والحمد ، والله سبحانه وتعالى يقول : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١٣ : سبأ) أما فى البلاء ، وأما فى الشدة ، فإن الناس جميعا ، مؤمنهم وكافرهم ، يذكرون الله ، ويهتفون به ، حتى فرعون ، فإنه حين أدركه الغرق ، قال آمنت! .. وهكذا الناس .. تدنيهم الشدائد من الله ، وتقربهم منه .. وإنها لنعمة تلك الشدائد ، التي توجّه الإنسان إلى الله ، لو أنه استقام على طريقه إلى الله ، ولم يكن من الخائنين لنفسه ، الذين يمكرون بآيات الله ..
قوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) أي أنه ذو السلطان القائم فوق عباده ، يملكهم ولا يملكونه ، ويقضى عليهم ولا يقضون عليه ، ويعطى ويمنع ، ويعزّ ويذل : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٦ : آل عمران).
وليس سلطان الله سبحانه ، القائم فوق عباده ، الآخذ على جوارحهم ومشاعرهم ومدركاتهم ـ ليس بالسلطان المستبدّ الجهول ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا .. وإنما هو سلطان قائم بالعدل ، والحكمة ، والعلم والقدرة ، وما كان كذلك ، فهو سلطان الرحمة والإحسان ..
وفى قوله تعالى : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) إشارة إلى هذا السلطان القاهر الغالب ، وأنه بيد حكيم خبير ، يضع كل شىء موضعه ، بحكمة الحكيم ، وخبرة الخبير ، فيأخذ مكانه الذي هو له ، فى أحسن وضع ، وأكمل صورة ، فى ملك الله : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ .. الْبَصَرَ .. هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)؟ (٣ : الملك).