التفسير : المسّ : لمس الشيء برفق ..
وقوله تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عرض لقدرة الله سبحانه وتعالى ، وأنه سبحانه هو الذي بيده النفع والضرّ ، وأن أقسى ما يصيب الإنسان من ضرّ هو لمسة خفيفة ، محفوفة برحمة الله ولطفه ، ولو لا ذلك لما احتملها بشر .. وكذلك ما ينال الإنسان من خير ، هو قطرة من فضل الله ، محفوفة بحكمته وتقديره ، ولو لا ذلك لفاضت فملأت على الإنسان دنياه ، ولما وجد لنفسه متنفّسا فيها ..
فإذا مسّ الإنسان ضرّ فهو من الله سبحانه ، ولا يرجى لكشف هذا الضرّ غيره .. لأنه مما قضى به ، ولا رادّ لقضائه الذي قضاه ، إلا ما كان من لطفه ورحمته اللذين يحفّان بقضائه ، فيمضى على ما قضاه ، ولكن تقوم إلى جانب ذلك فى كيان الإنسان مشاعر تستقبل هذا القضاء برضى ، وتحتمله فى صبر ، حتى يأذن الله برفع هذا الضرّ ، وكشفه .. وهذا هو بعض اللطف فى القضاء.
وإذا مسّ الإنسان خير ، فهو كذلك مما قضى الله به ، وأراده ، ويسرّ الإنسان له .. وفى تقديم الشر على الخير هنا ما يملأ مشاعر الإنسان خوفا من الله ، وتعلقا به ، واتجاها إليه ، فإن الإنسان فى الخير كثيرا ما يذهل عن الله ، ويغفل عن ذكره .. ولكنه فى حال الشدّة والضرّ يذكر الله ويهتف به ، ويمدّ يده إليه كما يقول سبحانه : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) (٨ : الزمر).
وكما يقول : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) (٨٣ : الإسراء) .. فما أقلّ أولئك الذين يجدون فى