ونسأل :
وماذا لو استقام المسيح على وجه واحد .. فكان إنسانا لم يخالطه شىء من الألوهية ، أو كان إلها لم تشبه شائبة من البشرية؟ إن أعدل صورة للإنسان هو أن يكون إنسانا فى كل شىء .. فى ظاهر أمره وباطنه جميعا.
فأعضاؤه ، وحواسّه ، إذا خرج منها شىء عن حدود البشرية ، ومألوفها .. فسد أمره ، واضطرب وجوده بين الناس!
وانظر كيف يكون حال إنسان له رجل واحدة بدل اثنتين ، أو كان له أربع عيون بدلا من عينين ، أو أن عينيه ركبتا فوق رأسه ، أو أن حاسة بصره كانت أشبه بالمجهر ، أو أن حاسة سمعه كانت كمكبرات الأصوات .. أترى مثل هذا الإنسان يهنؤه طعام ، أو يستقيم له أمر؟
وقل مثل هذا فى كيانه الداخلى .. فى عواطفه ونوازعه ، وفى أفكاره وخواطره .. إنه إن خرج فى شىء من ذلك عن حدود البشرية ، فى أعلا ذراها ، أو أدنى مستوياتها ، تعس وشقى!
إن الغراب الذي يلبس جلد الطاووس .. ليس غرابا ، وليس طاووسا .. بل ليس من عالم الطير إطلاقا!
* * *
والمسيح ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ تحدّث سيرته عن إنسان كرم فى الإنسانية غرسه ، وطاب ثمره ، فكان غرّة فى جبينها ، ودرة فى تاجها ، ونجما لامعا فى سمائها ، ومصباحا هاديا فى أرضها .. هيهات أن تلد الأمهات من يدانيه ، نبلا ، وطهرا ، واستقامة وعفّة .. إلا من كان من الصفوة المتخيّرة من رسل الله وأنبيائه!
فالمسيح ـ الإنسان ـ أمل من آمال الإنسانية ، ومنزع من منازعها ،