التفسير : هؤلاء المؤمنون الذين يستجيبون لله ولرسوله ، ويدخلون فى دين الله ، سيجدون دينا سمحا ، وشريعة رفيقة رحيمة ، تأسو جراح الإنسانية ، وتطبّ لأدوائها ، وتقوم على أمنها وسلامتها ..
فهذه طيبات الحياة مما أحلّ الله ، هى مباحة للمؤمنين ، ينالون منها ما تبلغه أيديهم ، وتشتهيه أنفسهم ، غير مضيّق عليهم فى شىء منها .. (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (٣٢ : الأعراف).
والله سبحانه ينهى عباده أن يحرموا شيئا مما أحل الله لهم .. إذ أن ذلك ـ وإن كان منهم مبالغة فى تأديب النفس بالحرمان ـ هو اجتراء على الله ، وتبديل فى شرعه ، وخروج على أحكامه .. وللإنسان أن يقتصد فى الطيّب الحلال ، أو أن يؤدب نفسه بالحرمان من بعض الطيبات ، ولكن على اعتقاد أن ذلك الذي حرم نفسه منه ، هو حلال مباح .. فذلك مما لا بأس به ، فهو أشبه شىء بالإمساك عن الطعام والشراب ، بالصيام.
وكما نهى الله المؤمنين عن الجوز على أنفسهم بتحريم ما أحل الله لهم من طيبات ـ نهاهم عن متابعة أهواء النفس ، باستباحة ما حرم الله. فذلك عدوان على شريعة الله ، ونسخ لأحكامه.
والذي تغلبه نفسه ، فتحمله على ارتكاب مأثم من المآثم ، وهو على علم من أنّ ما يفعله هو منكر ، حرّمه الله على المؤمنين ، ورصد لمقترفه العقاب الأليم ـ هذا الإنسان هو خير من ذلك الذي يتأوّل فى شرع الله ، فيحل الحرام ، ويفتح له من التأويل بابا يدخله منه إلى ما أحل الله من طيبات.
إن الأول مؤمن عاص ، يعلم من أمر نفسه أنه منحرف عن الطريق القويم ، خارج على أوامر الله ونواهيه .. وهذا العلم من شأنه أن يزعج مرتكب المنكر ، وينخس ضميره ، فلا يستمرىء هذا المنكر ، ولا يستسيغه على إطلاقه .. وقد