وقوله تعالى : (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الضمير فى «منهم» يعود إلى علماء اليهود ، وخاصتهم ، وأنّهم يعطون ولاءهم ومودتهم للذين كفروا من مشركى العرب ، ومن كافرى اليهود أنفسهم ، ليظاهروهم على الدعوة الإسلامية ، وليقودوا جبهة الكفر المتصدّية لها .. وهذا منهم هو كفر فوق كفر ، وضلال فوق ضلال .. إذ لم يكفهم أنهم عرفوا الحق وكتموه ، بل أجلبوا عليه الأعداء ، وكانوا لهم فى حربه سندا وظهيرا .. فاستحقوا لهذا سخط الله عليهم ، وأن يصلوا النار التي أعدّها للعصاة المحادّين لله ورسوله .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) .. وقوله تعالى : (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) هو مصدر مؤول ، وهو المخصوص بالذم أي بئس شيئا قدمته لهم أنفسهم ، وأعدته ليوم الجزاء ، سخط الله ولعنته لهم فى الدنيا ، والعذاب الشديد يوم القيامة فى جهنم خالدين فيها أبدا.
قوله تعالى : (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) هو بيان لهذا المرض الخبيث المستكنّ فى قلوب هؤلاء العلماء من بنى إسرائيل ، وهو أنهم قد أعمى بصائرهم بالحسد ، فألقوا بأنفسهم إلى التهلكة ، وكفروا بالله ، إذ كفروا بالنبيّ وما أنزل إليه من ربه ، وكان ما بأيديهم من دلائل تدل على نبوته ، وما عندهم من علم به وبرسالته ـ جديرا بأن يجعلهم أسبق الناس إلى لقاء هذا النبىّ ، والإيمان به ، والوقوف من ورائه ، والجهاد تحت رايته .. ولكنهم تخلّوا عن مكانهم هذا ، الذي كان ينبغى أن يأخذوه مع النبي ، وانحازوا إلى جهة الكافرين والمنافقين .. حسدا وبغيا.
وفى قوله تعالى : (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) هو حكم على الكثرة