ابن مريم .. فقد لعنهم الله سبحانه مرتين .. مرة على لسان «داود» ، ومرة على لسان «عيسى» عليهماالسلام.
ولا نسأل ماذا كانت لعنة داود لهم ، ولا عن أي شىء كانت تلك اللعنة التي رماهم الله بها على لسان داود ، وكذلك الشأن فى اللعنة التي جاءتهم على لسان المسيح .. فقد غيّر القوم وبدّلوا فى زبور داود ، وفى إنجيل عيسى.
والذي علينا أن نؤمن به ، هو أن الله لعن اليهود هذه اللعنات على لسان هذين النبيين الكريمين.
قوله تعالى : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) هو بيان لسبب آخر من أسباب اللعنة التي لعن الله بها بنى إسرائيل ، وهى أنهم مع عدوانهم على حرمات الله ، وتطاولهم على أنبيائه بالتكذيب وبالقتل ، فإنه لم يكن فيهم من رشيد ينكر عليهم هذا المنكر ، ويردّهم عن هذا الضلال .. (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) أي لا ينهى محسنهم مسيئهم ، ولا يأخذ عالمهم بيد جاهلهم ، فلا تناصح بينهم على معروف ، ولا تناهى عن منكر .. وليس هذا شأن الجماعة السليمة ، المتنبهة لكل آفة تعرض لأى عضو من أعضائها.
فجماعة اليهود جماعة يعيش كل فرد فيها فى ذات نفسه ، لا يعنيه إلا ما يتصل به اتصالا مباشرا ، ولا عليه أن يهلك الناس جميعا .. وليس هذا شأن عامتهم وحسب ، بل هو شأن رؤسائهم وأصحاب السلطة الروحية فيهم ، وقد نصّ الله عليهم ذلك بقوله : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٦٣ : المائدة).
وقوله تعالى : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) هو تجريم لأفعال اليهود جميعا ، عامتهم وخاصتهم ، علماؤهم وجهلاؤهم .. أفعالهم كلها منكرة ، لا تتحرّى الحق ، ولا تستقيم عليه.