وفى تقديم الضرّ على النفع ، هو مما يجرى مع طبيعة الإنسان ، ويلتقى مع مطالبه ـ فدفع الضرّ مقدّم عند الكائن الحىّ على جلب النفع .. إذ أن الكائن الحىّ يطلب السلام لنفسه أولا ، كى يضمن وجوده وبقاءه ، ولا بقاء لحىّ مع وجود الخطر الذي يتهدّد حياته .. فإذا تمكن الكائن الحىّ من استخلاص نفسه من بين الأخطار التي تترصده ، وتريد القضاء عليه ، كان له بعد ذلك أن يطلب ما ينفع فى إمساك حياته ، واستمرار وجوده ، مما يتصل بمعاشه ، من طعام ، ولباس ، وسكن ، وغير هذا ..
وقوله سبحانه : (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) هو إلفات إلى ذات الله سبحانه وتعالى ، وإلى جلال الذات وعظمتها ، التي يختفى أمام بهائها وسلطانها كل ذى جاه وسلطان .. وأنه هو وحده ـ سبحانه ـ السميع العليم ، لا سمع لأحد مع سمعه ، ولا علم لعالم مع علمه .. سبحانه وتعالى عما يشركون.
وقوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) المراد بأهل الكتاب هنا ـ هم النصارى ، والدعوة إليهم هى ألا يغلو فى دينهم ، أي يبالغوا فى الصورة التي ارتسمت لهم من المسيح ، فى ميلاده وفى المعجزات التي جاءت على يديه .. وأن هذه المبالغة قد أرتهم فى المسيح ما ليس له ، فما هو إلا إنسان ، ولد كما يولد الناس ، من رحم امرأة ، ربّى فى حجرها ، ورضع من ثديها.
وقوله تعالى : (غَيْرَ الْحَقِّ) هو قيد للنّهى عن المغالاة ، إذ هى مبالغة فى طريق الضلال ، وغلوّ فى متابعة الهوى ..
ويجوز أن يكون «غير الحق» مفعول به لقوله تعالى : (لا تَغْلُوا) بمعنى لا تتجاوزوا بدينكم حدود الحق ، بل التزموا هذه الحدود ، وقفوا