كما يجوع الناس ، ويأكلان مما يأكل النّاس ، ويخضعان للضرورات التي يخضع لها الناس .. ومن كان هذا شأنه ، فكيف يكون إلها مع الله؟. كيف ومن خلق الله من يستعلى على تلك الضرورات المتحكمة على المسيح وأمّه ، كالملائكة مثلا؟ فإنهم لا يأكلون ، ولا يشربون ، ولا ينامون ، ولا يمرضون!
وقوله سبحانه : (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) تعجّب من موقف هؤلاء الذين يرون المسيح إلها أو ابن إله ، وأنهم مع هذه الآيات البينات ، التي تكشف لهم عن المسيح ، وتريهم مكانه عيانا بين الناس ـ إنهم مع هذا لا يزالون على ما هم عليه من إفك وافتراء على الله ، إذ يقولون فيه هذا القول الشنيع الآثم.
وقوله سبحانه : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) هو تسفيه لعقول أولئك الذين يعبدون من دون الله أربابا من حيوان أو جماد ، ثم يرجون عندها النفع والضرّ ، وهى فى قيد العجز ، لا تملك من أمر وجودها شيئا ، فكيف يكون لها فى هذا الوجود سلطان على العباد؟ ذلك هو الضلال البعيد ، والبلاء المبين ..
وقد اتخذ المسيحيون المسيح إلها ، وأضافوا إليه أنفسهم ، بل أضافوا إليه الوجود كلّه .. وما فكّروا أن «المسيح» عيسى بن مريم مخلوق عاجز ضعيف أمام قدرة الله وسلطان الله ..
لقد كان المسيح جنينا فى أحشاء أمّه تسعة أشهر ، ثم ولد طفلا ، ترضعه أمه وتغذوه ، وتحمله قبل أن تحمله رجلاه.
أفهذا يكون إلها يملك الضرّ والنفع ، ويدبرّ أمر السموات والأرض؟ ذلك مالا يقبله عقل ، ولو كان به مسّ أو خبل! .. إذ أن مسافة الخلف بين الإله والإنسان أوسع من أن يملأها تصوّر ، أو يصل بين طرفيها خيال.