مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ* وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٤ ـ ٦٥ : البقرة).
لقد نقض بنو إسرائيل ميثاقهم مع الله ، الذي أخذه عليهم وهم على بساط هذه النعم الغامرة ، فكفروا وعبدوا العجل ، فعفا الله عنهم ، وأرسل إليهم رسله ، يجمعونهم من أشتات الطرق التي شردوا فيها .. فما تبدلت حالهم ، ولا تغير ما بنفوسهم ، فمكروا يرسل الله ، وأخذوهم بالعنت والعذاب .. كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كفروا به ، وبسطوا فيه ألسنتهم بقالة السوء ومدوا إليه أيديهم بالأذى .. فريقا كذبوا وفريقا يقتلون.
وقوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) إشارة إلى أنهم ـ وقد رأوا نعم الله تتظاهر عليهم ـ أنهم بمأمن من الفتن ، وأن لهم أن يفعلوا ما تشتهى أنفسهم ، وترتضى أهواؤهم ، ولم يعلموا أن هذه النعم هى إبتلاء من الله لهم ، وأنها ستكون نقمة عليهم إن لم يشكروا الله ويحمدوا له ، شأن من يتلقى نعم الله من عباده المتقين ، كما فعل سليمان مثلا ، والذي يقول الله سبحانه على لسانه : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ـ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (٤٠ : النمل).
ولكنهم عموا وصموا عن نعم الله ، فجعلوها أسلحة يحاربون الله ورسله بها ، ويسعون فى الأرض فسادا ..
ومع هذا فقد تاب الله عليهم ، وبسط لهم يد المغفرة ، فلم يزدهم ذلك إلا ضلالا وكفرا ثم عموا وصموا كثير «منهم» أي أن كثرتهم الغالبة لم ترجع إلى الله ، بل ظلت شاردة فى طرق الضلالة والغواية ، وقليل منهم هم الذين كانت لهم من إلى رجعة .. وهذه القلة منهم هم شهود عليهم بالضلال والعصيان ..