التفسير : فى الآية السابقة جاء قوله تعالى (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) وفى هذه الآية جاء قوله سبحانه : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا ...) بيانا شارحا لجزاء المفسدين الذين أباح الله دماءهم ، ورفع عن قاتلهم تبعة الإثم الواقع على من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض. وفى الآية الكريمة إشارة إلى بنى إسرائيل ، وإلى أنهم هم الوجه البارز فى الإنسانية ، الذي تظهر فيه تلك المنكرات ظهورا واضحا ، حتى لتكاد تكون الأصل الذي يقاس عليه كل منكر يظهر فى الناس.
فهم يحادّون الله ورسوله .. والمحادة هى العدوان على حدود الله ، والاستباحة لحرماته ..
وهم الذين يسعون فى الأرض فسادا ، بما يرتكبون من جرائم وآثام ، لما يحملون فى صدورهم من غلّ وحسد ..
وقد رصد الله سبحانه هذا العقاب الرادع لتلك الجرائم المنكرة ، ليكون فيه تنكيل ، وبلاء ، وإهدار لآدميّة من يهدر آدميته ، حين يضيّع حقوق الله ، ويستخفّ بها ، ويهدر حقوق الناس ويغتالها ، ويستبيح دماءهم وأموالهم.
وفى قوله تعالى : (أَوْ يُصَلَّبُوا) إشارة أخرى إلى اليهود ، حيث أن هذا النوع من العقاب وهو الصلب ، كان شريعة لهم ، يأخذون به من يحادّ الله ، ويكفر به .. وقد قدّموا المسيح بهذه التهمة ، وحكموا عليه بالموت صلبا.
وفى قوله تعالى : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) إشارة ثالثة تشير إلى اليهود ، وأنهم أولى الناس بهذه العقوبات ، وأكثرهم تعرضا لها .. ولقد وقع عليهم هذا الحكم ، فأجلاهم الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من المدينة ، ونفاهم من