على الإنسان ، فهو أشبه بالهواء والماء ، لا يستغنى عنه فرد أو جماعة ، فى حال أبدا .. ومن شأن هذه النعمة العامة الشاملة أن تكون مطلقة ، مباحة ، إطلاق الهواء والماء وإباحتهما ..
فلو أنه أقيم على هذه النعمة قيود محكمة ، وحواجز مصمتة ، لكان فى ذلك ما يذهب بكثير من خير هذه النعمة ، ويكدّر مواردها الصافية أو يعطلها ..
لهذا ، كان من حكمة الحكيم العليم ، أن يقيم على تلك النعمة العظمى ـ نعمة الكلام ـ إشارة تنبيه ، تحذّر الناس وهم يستقون من موارد القول ويتنفسون فى أجوائه ، أن يأخذوا حاجتهم ، وأن يمسكوا عما لا حاجة لهم به ، ولا خير لهم فيه ، وإلا كان الخطر ، والضرر .. فما أكثر الذين يموتون بالماء ، غصصا أو غرقا .. وما أكثر الذين يموتون بالهواء صعقا أو خنقّا ..
وثانيا قوله تعالى : (الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ)
لم كان الكره واقعا على الجهر بالسوء؟ .. فهل السرّ بالسوء مباح؟ وهل له حساب غير حساب الجهر ..؟
والجواب على هذا ، هو أن الجهر بالسوء من القول هو الذي له كيان ظاهر ، يؤثّر فى الناس ، ويتأثر به الناس .. ومن هنا كان خطره ، وكان الحظر المتسلّط عليه وحده دون السرّ به ..
فالسرّ بالسوء من القول ـ وإن كان شيئا كريها قبيحا ـ إلا أنه عورة مستورة ، يمسكها الإنسان ، على خوف أو استحياء .. وهذا من شأنه أن يعزل شرّ هذا الشرّ عن الناس .. ثم إنه من جهة أخرى لا يقوم فى كيان الإنسان إلا مقاما قلقا مضطربا ، وفى هذا ما يؤذن بانصراف الإنسان عنه ، والتخلّص منه .. وليس كذلك شأن السوء حين يفلت من كيان الإنسان ، فيطلقه صريحا