وقوله تعالى : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) هو كشف صريح لوجه هؤلاء الذين تردّدوا بين الإيمان والكفر .. فهم منافقون ، وليس للمنافقين إلا العذاب الأليم ..
وفى سوق العذاب الأليم إلى المنافقين بين يدى من يبشرهم به ، ما يشير إلى شناعة موقف هؤلاء المنافقين وشؤم مصيرهم ، وأنه إذا كان لهم ما يبشرون به فى الآخرة فهو هذا العذاب الأليم! فكيف ما يساءون به من ألوان المساءات ، وهو شىء كثير شنيع.؟
وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) هو صفة كاشفة لوجه من وجوه المنافقين ، ذلك الوجه الذي يلقون به الكافرين فى ولاء ومودة .. وهذا يعنى أنهم على عداوة للمؤمنين ، إذ أقاموا مع عدوّهم حلفا عليهم ، يتمثل فى هذا اللقاء الودىّ بينهم وبين الكافرين .. والله سبحانه وتعالى يقول : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (٢٢ : المجادلة).
ولكن هكذا المنافق ، لا يمسكه مبدأ من خلق أو دين ، وإنما تحركه أهواؤه ، وتدفعه نزواته إلى الاتجاه الذي يتظنّى أن يجد فيه لقمة سائغة له!
وفى قوله تعالى : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) ما يكشف عن الغاية التي يتغيّونها من تعلقهم بحبال الكافرين ، واستظلالهم بظلهم .. إنهم يريدون أن يستندوا إليهم ، ويحتموا بجبهتهم ، إذ خيّل إليهم أن جانب الكافرين هو القوىّ ، بما فيهم من كثرة عدد ، ومن سعة غنى ، على حين كان المسلمون فى قلة من الرجال والأموال.