وفى كل موقف .. إنهم لا يستقيمون مع حال أبدا ، وإنما حوّل قلب ، حسب ما تمليه أهواؤهم ، وتدعوهم إليه مصلحتهم .. فتراهم يأخذون بالأمر غدوة ، ثم يرفضونه عشيّة ، ثم يعودون فيأخذون به .. ثم يعرضون عنه .. وهكذا .. لأنهم لا يقيمون حكمهم على الأشياء لذاتها ، وما تحمل فى كيانها من خير أو شر ، وإنما يحكمون عليها حسب ما تمليه أهواؤهم ، وتقتضيه حاجاتهم العاجلة منها ..
وفى العقيدة ، التي من شأنها أن تقوم فى كيان الإنسان مقاما راسخا ، لا يتحول ، ولا يهتزّ ـ تراهم يتعاملون بها وكأنها سلعة فى أيديهم ، لا معتقد فى قلوبهم .. فيعرضونها للبيع ، ويضعونها فى يد من يدفع ثمنا أكثر ..
وانظر ما كان منهم مع دعوة الإسلام ..
كانوا كافرين ، فرأوا الناس يردون شرعة الإيمان ، فآمنوا ..
ثم رأوا سانحة تسنح لهم وراء حدود الإيمان ، فتسللوا من بين صفوف المؤمنين ، وخلعوا رداء الإيمان .. فكفروا.
ثم لاح لهم فى مستقبل الإيمان مغنم يغنمونه .. فآمنوا.
ثم لما أن حصلوا على ما أرادوا ، ولمع لهم سراب وراء أفق الإيمان ، أقبلوا إليه ، وخلّفوا الإيمان وراءهم .. فكفروا.
ثم ..
ثم ازدادوا كفرا .. إذ لم يبق هذا الجري اللّاهث فى ترددهم بين الإيمان والكفر ـ لم يبق لهم بقيّة من جهد يعودون به إلى الإيمان مرة أخرى .. وبهذا ينتهى أمرهم فى آخر المطاف بهم ، إلى الارتماء فى أحضان الكفر .. الذي