الحق ، وفى ساحته يتساوى الناس جميعا ، دون نظر إلى ما يتلبّس بهم من ظروف وأحوال ..
والضمير فى قوله تعالى (إِنْ يَكُنْ) يرجع إلى المشهود له والمحكوم لصالحه من المتنازعين ، ممن كان غناه أو فقره محل تقدير الشاهد ، وانحراف شهادته ، أو كان محل نظر القاضي وموضع عطفه .. والمعنى : إن يكن المشهود له أو المحكوم لصالحه غنيا أو فقيرا ، فليس من شأنكم أيها الشهود ولا من حقكم أيها القضاة أن تدخلوا هذا فى حسابكم ، وأن تترضّوا عواطفكم على حساب الحق والعدل .. لأن الله سبحانه وتعالى هو أولى منكم بتقدير حال كل من الغنى والفقير ، إذ لو شاء لأفقر الغنىّ وأغنى الفقير ، أو شاء لأعناهما جميعا أو لأفقرهما معا ..
وقوله تعالى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) هو تحذير من تلك الأهواء والعواطف التي يجدها القاضي أو الشاهد ، لذوى قرابته ، وأصدقائه ، أو لأصحاب الجاه والسلطان ، أو لأهل الحاجة والضر .. فهذه العواطف من شأنها أن تنحرف بالشاهد عن أن يؤدى الشهادة على وجهها ، كما أنها تمسك يد القاضي أن يقيم ميزان العدل فى مجلس القضاء ، إن لم يقم عليها وازع من دين وخلق.
وقوله تعالى : (أَنْ تَعْدِلُوا) فى تأويل مصدر ، مجرور بلام التعليل ، والتقدير : فلا تتبعوا الهوى لتعدلوا ، أي لإقامة العدل لا تتبعوا الهوى.
قوله تعالى : (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) اللّيّ : الميل والانحراف ، والمراد به تغيير وجه الشهادة ، يقال : لوى فلان وجهه عن الشيء يلويه ليا إذا نظر إليه مزورا أو منحرفا ، ومنه قوله تعالى فى اليهود وفى تحريفهم الكلم عن مواضعه : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) (٤٦ : النساء) (٥٩ ـ التفسير القرآنى ج ٥)