لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً* ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) (١٠٢ ـ ١٠٦ : الكهف).
وقوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) هو استدعاء من الله سبحانه وتعالى للعصاة والمذنبين من عباده الذين آمنوا به ، ليتعرضوا لواسع رحمته ، وعظيم فضله ، فإنهم وقد آمنوا به ، وأحلوا قلوبهم ومشاعرهم من كل معبود سواه ، فقد دخلوا فى محتوى هذا النداء الكريم ، الذي نادى الله به عباده المؤمنين فى قوله سبحانه (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (٥٣ ـ ٥٤ : الزمر).
فما كان من الذنوب دون الشرك والكفر ، فهو فى ساحة رحمة الله ، وفى معرض غفرانه.
وليس فى قوله تعالى : (لِمَنْ يَشاءُ) قيدا يحدّ من رحمة الله ، أو يحجز من غفرانه ، ولكن المراد به وضع الرحمة والمغفرة تحت مشيئة الله ، يضعهما حيث يشاء ، ويفضل بهما على من يشاء ، فضلا وكرما ، وليس لأحد أن يتألّى على الله ، أو أن يلزمه شيئا من هذا العطاء المتفضّل به .. وبهذا تعظم المنّة ، ويتضاعف الإحسان ، إذ كان ذلك من غير مقابل ، ودون استيفاء لجزاء على عمل ، فصاحب العمل له جزاء عمله ، كما يقول سبحانه : (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦ : يوسف) فرحمة الله واقعة حيث يشاء لمن يشاء .. أما المحسن ، فقد كتب الله على نفسه أن يوفيه أجره ، بل ويوفيه هذا الأجر أضعافا مضاعفة ، كما يقول سبحانه : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ).