هذا الذي همّوه ، وفعلهم ذلك الذي فعلوه ، جناية على أنفسهم .. أما النبىّ فلم يخلص إليه من هذا الهمّ شىء!
وعلى هذا ، كان الهمّ الذي همّوه بالنبيّ كأنه لا شىء بالنسبة له ، إذا أفسده الله عليهم ، وردّه إلى صدورهم .. فكأنهم همّوا ولم يهمّوا!!
وفى هذا ما يشير إلى علوّ مقام النبىّ الكريم ، وإلى قوة هذا الحصن الحصين الذي أقامه الله عليه فى وجه المنافقين ، بحيث لا يجرؤ أحد منهم أن تحدّثه نفسه ـ لو عرف مكانة هذا النبىّ ، ومكانه هو منه ـ أن يهجس فى نفسه ـ مجرد هاجس ـ بمحاولة إنزاله ولو قيد شعرة من هذا المقام الكريم الذي رفعه الله إليه .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) أي ، أىّ شىء من الضرر ، فيما يتصل بدينك ، أو مكانك من هذا الدّين!.
وفى قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) وفى عطف هذا الفعل على الفعل قبله : (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) .. فى هذا كبت للمنافقين ، وضربة قاصمة من ضربات الحسرة والكمد لهم .. فإنهم وقد أرادوا أن يفسدوا على النبىّ أمره ، قد أفسدوا أنفسهم ، ولم ينالوا من النبىّ شيئا ، بل وأنزل الله عليه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم ، حتى لكأن إنزال الكتاب والحكمة على النبىّ وتعليمه من الله ما لم يكن يعلم ، قد جاء فى أعقاب هذا المكر السيّء الذي مكروه بالنبيّ ـ زيادة فى تكريم النبىّ ، ومضاعفة لفضل الله عليه ، وإمعانا فى خزى المنافقين وكبتهم ، وملء قلوبهم حسرة وندما ، من حيث أرادوا الشرّ بالنبي ، فكان أن أضعف الله فضله عليه ، وغمره بإحسانه .. وهذا ما تشير إليه خاتمة الآية : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) ..