وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ).
والطائفة ، هى الجماعة من هؤلاء المنافقين ، وهى تمثّل رءوس المنافقين ، وأصحاب الرأى والتدبير فيهم ..
وفى قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) ما يشعر بأن هؤلاء المنافقين لم يهمّوا بالسوء ، إذ كان فضل الله علي النبي ورحمته به ، وحراسته له ، ممّا يحجز هؤلاء المنافقين عن أن يهمّوا ، فضلا أن يبلغوا من النبي ما همّوا به ، وما حدثتهم به أنفسهم من شر وعدوان!
والواقع أنه كان من المنافقين هم وعزم على ركوب هذا المنكر نحو النبي ، بل وقد خرج هذا الهمّ أحيانا إلى حيّز التنفيذ والعمل ، فجاء منهم من يقول للنبىّ فى غزوة الخندق : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) .. وما هى بعورة إن يريدون إلا فرارا» (١٣ الأحزاب) وجاء منهم من يقول للنبىّ فى غزوة تبوك : (ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) (٤٩ : التوبة) وقد أذن النبي لمن استأذنه منهم ، فكان من الله هذا العتاب الرفيق للنبى الكريم : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (٤٣ : التوبة)
فما تأويل هذا؟
والجواب : هو أن هذا الهمّ الذي كان من المنافقين ، وما تبعه من تدبير وعمل ، لم يؤثّر أأثره فى النبيّ ، ولم يخرج به عن طريق الحق والعدل الذي أقامه الله عليه ، وأن ما جنى المنافقون من نفاقهم هذا كان حسرة ووبالا عليهم فى الدنيا والآخرة ، إذ فضحهم الله على الملأ ، وفضح نفاقهم ، وعرضهم للأعين عراة يجلّلهم الخزي والعار ، وأنهم ودّوا لو لم يهمّوا ولم يفعلوا .. فكان همّهم