وإذ كان الظالم المفترى على الله وعلى الناس الكذب ـ فى وجه البغضة والكراهية من الناس ، وخاصة عند من يقومون على العدل ، ورفع المظالم ، الأمر الذي قد يحمل ولىّ الأمر على التنكيل به ، والمبادرة إلى إلقاء ثقل التهمة كلها عليه ، دون مراعاة للظروف المخففة ، التي لو نظر فيها ولىّ الأمر نظرة لا تحمل العداوة والشنآن ، فربما كان ذلك مما يمسك به عن الجور ومجاوزة الحد ، ـ نقول : إذ كان الظالم الخائن لأمانة الله ورسوله والمؤمنين ، فى وجه هذه العداوة ـ فقد كان من تدبير الشريعة الإسلامية ، وحكمتها ، أن تحمى هذا المجرم من الجور ، وأن تأخذه بحكم الله فيه .. ولهذا جاء قوله تعالى للنبى الكريم : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) ـ جاء هذا القول من ربّ العالمين ، لرسوله الكريم ، دستورا فى القضاء بين الناس ، والفصل فى المنازعات التي تحدث بينهم .. وهو أمر يلتزم به ولىّ الأمر ، القائم على القضاء بين المتخاصمين ـ جانب الحيدة المطلقة ، وأن يخلى نفسه من كل ما يندسّ إليها من مشاعر البغضة والعداوة للمذنب ، الذي ينتظر جزاء ذنبه .. وأنه إذا كان لولى الأمر أن ينكر المنكر وأن يأخذ أهله بالقصاص ، فإنه ليس له أن يكون خصما للمجرم ، المذنب ، وهو قاضيه ، والحاكم عليه .. إذ لا يتفق أن يكون الإنسان خصما وحكما فى وقت معا .. والشاعر العربي يقول :
يا أعدل الناس إلا فى معاملتى |
|
كيف الخصام وأنت الخصم والحكم؟ |
إن ذلك لا يتفق أبدا! حتى فى مقام النبوة ، وبين يدى النبىّ ..! (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) فكيف بغير النبي من عباد الله؟
وقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) .. هو دعوة إلى طلب المغفرة من الله ، لما يكون قد طاف بالنفس من مشاعر العداوة