قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ).
أي إن الذين فى قلوبهم مرض ، بما عشّش فيها من نفاق ، وضلال .. هؤلاء لا ينظرون فى كتاب الله ، ولا يقفون عند محكم آياته ، لأنهم لا يؤمنون به ، بل يجعلون همهم كله فى صيد ما يمكن صيده من كتاب الله ، من هذا المتشابه من كلماته ، التي أشرنا إليها ، والتي يمكن ألا يقال فيها أىّ شىء ، كما يمكن أن يقال فيها كل شىء! لأنها ـ كما قلنا ـ كتاب مغلق .. إذا سئل الإنسان عما فيه ، فإن احترم عقله ، قال : «لا علم لى» ، وإن سفه وحمق ، قال ، وأكثر القول ، وتحدث وأطال الأحاديث بما هو أكثر مما فى الكتاب امتدادا وطولا ، وربما كان الكتاب فى علم الحساب ، على حين يحسبه المتخرصون كتابا فى الفقه ، أو الحديث ، أو الأدب ، أو الموسيقى مثلا!!
وهؤلاء من مرضى القلوب ، إنما وقفوا عند هذه المتشابهات ، لأنها تفتح لهم أبوابا واسعة إلى أن يقولوا فيها ما يشاءون ، وأن يحمّلوها من المعاني ما يريدون من مقولات ، تفتن وتضلّ ، دون أن يقف لهم أحد ، أو يفنّد مقولاتهم مفنّد ، فإذا واجههم أحد ، أو حاجّهم محتاج سألوه رأيه فيها ، وقوله عنها ، وقد عرفنا أنها تتسع لكل رأى ، وتتقبل كل قول ، وليس فيها إلا قول واحد ، علمه عند علام الغيوب. (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ)! ..
ولو كان هؤلاء الزائغون المنافقون يؤمنون بالقرآن ، وبأنه من عند الله ، لكان لهم أن يقولوا فى المتشابه ما يقولون ، مما يؤدى إليه نظرهم واجتهادهم ، ولكان لهم من إيمانهم ما يعصمهم من أن يزلّوا ويضلّوا ، ولكنهم ـ كما عرفنا ـ لا يمسكون من القرآن إلا بتلك الكلمات المتشابهة ، التي رصدها الله ابتلاء وفتنة ، تزداد بها قلوب المنافقين مرضا إلى مرض ، ورجسا إلى رجس ،