ولا تكشفه ، وتتخافت به ولا تجهر! وهذا ما يجعل للقرآن الكريم حياة متجددة فى العقول وفى القلوب ، لا يمل مرتله الترتيل أبدا ، إذ يجد لما يعاود ترتيله روحا فى كل مرّة ، ووجها جديدا في كل ترتيلة ..
ونعود إلى المتشابه .. ما هو؟ وأين هو فى القرآن؟ وما الحكمة منه؟
المتشابه ـ كما قلنا ـ هو المغلق ، الذي لا ينكشف للنظر ، بل يتراءى لمعطيات الحدس والرجم بالغيب ، أشبه بالأحلام وأضغاث الأحلام التي يتأولها المتأولون ، ويقول فيها القائلون! وليس يعلم قولة الحق فيها إلا علّام الغيوب .. ذلك هو المتشابه.
أما أين هو فى القرآن .. فإنا إذا نظرنا فى كتاب الله ، فيما بين أوله وآخره نجد أن قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) يلفتنا لفتا قويا إلى هذا المتشابه ، وهو تلك الأحرف المتقطعة التي تبدأ بها بعض سور القرآن الكريم ، مثل «الم ، الر ، المر ، كهيعص ، طس ، طسم ...» فهذه الأحرف هى التي يقف أمامها دارس القرآن حائرا ، لا يدرى لها مفهوما ، إلا أن يكون ذلك بضرب من الحدس والتخمين ، ولهذا كثرت فيها تأويلات المتأولين ، إلى أن جاوزت السبعين قولا فيها ، بل ويمكن أن نزاد هذه الأقوال إلى مئات ، بل وتتسع لألوف ، دون أن يكون قول أحق فيها من قول ، أو أولى بالقبول والتسليم .. إذ كل الأقوال هى اجتهاد شخصى ، كالحدس عن شىء داخل صندوق مغلق ، ولهذا كان أعدل قول فيها وأصدقه هو القول : «الله أعلم بمراده» فما يعلم تأويلها إلا الله!
وقد عرفنا معنى التأويل ، وأنه ـ كما جاء فى القرآن ـ لا يكون إلا فى مواجهة الأمور المغلقة ، كالأحلام وأضغاث الأحلام!