والذي عليه المفسرون فى هذه الآية أنها نزلت فى قطيفة حمراء اختفت من الغنائم يوم بدر ، فقال بعض المنافقين لعل النبىّ أخذها!
وقيل إنها نزلت فى أحداث أحد ، حيث ترك جماعة الرماة مكانهم الذي أقامهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيه ، وذلك حين رأوا الهزيمة فى المشركين ، وقد امتدت أيدى بعض المسلمين إلى ما تركوا من متاع وسلاح ، فقال الرماة : لعلّ رسول الله لا يقسم الغنائم بيننا كما فعل فى غنائم بدر ، ويقول كما قال يومها : «من أخذ شيئا فهو له» فيذهب إخواننا بالغنائم ، وليس لنا منها شىء .. فتركوا مكانهم ، واندفعوا نحو الغنائم ، يأخذون نصيبهم منها ، فكان الذي كان!
والرأى الأول بعيد .. إذا كان قد مضى عام على معركة بدر ، ولو كان لقولة المشركين يومئذ أثر لما تركت هذه الفرية تعيش فى الناس عاما دون أن ينزل قرآن فى تفنيدها ، وتكذيب مفتريها.
والخبر الثاني ضعيف ، ووجه ضعفه أن المسلمين كانوا يعلمون فى أحد حكم الله فيما يقع لأيديهم من مغانم ، حيث كانت سورة الأنفال قد نزلت فى أعقاب بدر ، وفيها قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ..) (٤١ : الأنفال) ..
والرأى عندنا ـ والله أعلم ـ أن الغلّ هذا من الحقد ، واشتمال النفس على البغضاء للناس .. وهذا ما لا يكون من نبىّ أبدا ، إذ كانت مهمة الأنبياء نزع ما فى الصدور من عداوات وأحقاد ، وغسل ما فى النفوس مما تنطوى عليه بغضاء وضغينة .. إنهم أساة الإنسانية من هذا الداء ـ داء الحقد الدفين ـ الذي إن شاع فى جماعة أكلها كما تأكل النار الحطب ، أو فشا فى أمة قضى عليها ، وحصدها ، كما يحصد الوباء النفوس!