قد انطوت عليه مما نهى الله ، مما لم يكن يراه ، وهو فى زحمة الأحداث المتلاحقة ، التي كانت تمرّ بالمسلمين فى تلك الفترة الحرجة من حياة الإسلام ـ فيعمل على تنقيتها ، والخلاص منها .. وقد أشرنا من قبل إلى ما فى هذه الآيات الكريمة من معانى الإحسان ، وما تحمل من دواء عتيد لسقام النفوس ، ومرضى القلوب!
ثم يجىء قوله تعالى بعد ذلك :
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) فيذكر المسلمون من الآية الكريمة أن لله سبحانه وتعالى سننا فى خلقه ، لن تتخلف أبدا ، وأن من هذه السنن وتلك الأحكام والقوانين التي أخذ الله بها النّاس ، ما تضمّنه قوله سبحانه (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى * ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (٣٩ ـ ٤١ : النجم) .. وما جاء به قوله سبحانه : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٧ ـ ٨ الزلزلة).
وبهذا يرى المسلمون أنهم مطالبون بأن يعملوا وأن يحسنوا ما وسعهم العمل ، وما أمكنهم الإحسان ، وأن يلقوا عدوّهم بالصّبر وتوطين النفس على الجهاد والتضحية والبذل فى سبيل الله ، وأن يشروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله .. وهنا يأذن الله لهم بالنصر ، ويريهم فى عدوّهم ما يحبّون ، وإلّا فقد رضوا لأنفسهم بالهزيمة ، التي اكتسبوها بالقعود عن البذل والتضحية.
وينظر المسلمون فى سنن الله التي خلت فى عباده ، وما لهذه السنن من آثار فى تقدير مصائر الأمم والأفراد على السواء ، وإذا الّذين كذّبوا بآيات الله ، وآذوا رسل الله ، قد أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .. قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وأصحاب مدين .. هؤلاء جميعا هم ممن كذبوا