وهنا يستشعر المسلمون الندم ، ويرون أنّهم على أمر لم يكن يريده النبىّ .. فأقبلوا عليه يسألونه أن يكون عند رأيه الذي رآه .. فأبى عليهم ذلك ، وقال : «ما ينبغى لنبىّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» .. وذلك أنه أقام أمره على عزيمة ، وبهذه العزيمة لبس لبوس الحرب .. وما كان له أن يرجع بعد ما عزم .. فإن هذا الرجوع يعنى انحلال العزيمة ، إذ ليس ثمّة ما يمنع بعد هذا أن يعزم عزما آخر ، ويعود فليبس عدّة الحرب .. وهكذا تستولى عليه حال من التردد بين الإقدام والإحجام .. وليس بعد هذا اجتماع لعزيمة ، أو استقامة على رأى .. وفى هذا ما فيه من ضياع وخذلان ، لأى أمر ، وفى كل عمل ، يدخل عليه التردد من أي باب!
ولهذا كان أمر الله لنبيّه الكريم : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (١٥٩ : آل عمران) قاطعا الطريق إلى التردد بعد العزيمة ، التي تجىء عن مناصحة ومشاورة!
نقول : خرج النبىّ بأصحابه للقاء العدوّ ، ومع المسلمين هذا الشعور الذي وقع فى نفوسهم من حملهم النبىّ على هذا الخروج ـ الشعور بالندم والحسرة ـ الأمر الذي لو صحبهم إلى المعركة لأفسد عليهم موقفهم من عدوهم ، ولاغتال الكثير من عزمهم وقوّتهم!
وهنا يتلقّى الرسول الكريم من ربّه ، ما يذهب بمرارة هذا الأسى الذي وجده ، ووجده معه أصحابه ، فى مجلس الشورى ، وما انتهى إليه.
فجاء قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ).
ـ جاء قوله تعالى فى هذه الآيات. ليذكّر النبي والمسلمين بما كان لله عليهم