وأين ما أعطى صاحب الحق من نفسه وماله ، للحق الذي فى يده؟ وكيف تكون إثابة المحسن وجزاء العامل ، إن لم يكن عمل وإحسان؟
إن العدل الإلهى يقضى بأن يجازى المحسن ، ويعاقب المسيء ..!
وفى مجال الصراع بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر ، يمتاز المحقّون من البطلين ، وينعزل الأخيار عن الأشرار ..
وإذا كانت معركة بدر قد دارت على تلك الصورة الفريدة بين المعارك ، ليثبّت الله بها الراية التي ركزها للإسلام ، فإن ما يستقبل المسلمون بعد ذلك من معارك لن يكون على تلك الصورة التي شهدوها يوم بدر ، وأن عليهم أن يبلوا بلاءهم مع عدوّهم ، وأن يستعينوا عليه بالصبر والتقوى. فذلك هو السلاح الذي وضعه الله فى أيديهم ، والذي إن حاربوا به عدوّهم كتب الله لهم النصر ، وإن قلّ عددهم ، وتضاعفت أعداد قوى الشرّ المتصدية لهم!!
هكذا ينبغى أن يعرف المسلمون ما يجب أن يكون عليهم أمرهم ، وهم مقدمون على لقاء العدو ، الذي جاءهم بكل غيظه وحنقه ، ليثأر للهزيمة التي نقيها فى معركة بدر!!
* * *
وها هم أولاء المسلمون يتأهبون للقاء المشركين ، الذين جمعوا جموعهم ، يريدون أن يقتحموا بها المدينة ، ويدمروها على من فيها من المهاجرين والأنصار!
ويستشير النبي أصحابه .. ويكثر القول ، ويختلف الرأى ، ثم يعلو الصوت القائل بلقاء العدو خارج المدينة ، ويرى النبي الكريم أن يستجيب للأغلبية ، وإن كان يرى خلاف ذلك ، فيلبس لباس الحرب ، ويضع لامته على رأسه ، ويؤذن أصحابه بأنه خارج معهم إلى لقاء المشركين ..