هذا ، فمسح ما بصدره من غيظ ونقمة. وأظهر العفو والمغفرة ، فهو على حظ أكبر من الإحسان والتقوى .. وأرفع من هذا درجة ، وأعلى مقاما فى التقوى والإحسان ، من دفع السيئة ، لا يكظم الغيظ المتولد منها ، ولا بالعفو عن المسيء ، بل دفعها بالإحسان إليه .. وفى هذا يقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٢ : الرعد).
ويقول سبحانه أيضا : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٥٤ : القصص).
ودفع السيئة بالحسنة إنما هو من باب الإنفاق ، ولكنه إنفاق من أطيب وأعزّ ما يملك الناس : إنه إنفاق من سعة صدر ، ومن كرم خلق ، مما لا يرزقه إلا أهل الصبر والتقوى .. وفى هذا يقول الحق جلّ وعلا : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). (٣٤ : ٣٥ السجدة).
فيما يروى عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه .. أن جارية له كانت تقوم على وضوئه وفى يدها إبريق ، فسقط الإبريق من يدها وانكسر .. ونظر إليها الإمام ـ كرم الله وجهه ـ فقالت : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال : كظمت غيظى .. ثم قالت : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال : «ولقد عفوت عنك» قالت : «والله يحب المحسنين» فقال : «أنت حرة لوجه الله»!!
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
الفاحشة : المنكر الغليظ من العمل والقول .. وأكثر ما تكون