أو يضيقون بها ، حتى لكأنهم يرون أن ما يبسطه الله من رحمة ورضوان لعباده إنما هو مقتطع مما يمنّون أنفسهم به عند الله .. وأنّه كلما كثرت أعداد المقبولين عند الله ، والداخلين فى رحمته ـ تحيّف ذلك من نصيبهم ، وأخذ الكثير من حظهم .. وهذا ـ لا شك ـ سوء ظن بالله ، وعدوان على مشيئته ، شأنهم فى هذا شأن بنى إسرائيل ، الذين أكل الحسد قلوبهم أن ينال أحد من من الله خيرا غيرهم ، كما قال تعالى فيهم : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٥٤ : النساء) وكما قال فيهم أيضا : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) (١٠٠ : الإسراء).
وقوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) صفة من صفات المتقين .. فمن شان التقوى أن تقيم فى كيان الإنسان عواطف الرحمة والإحسان ، فلا يمسك صاحبها خيرا لنفسه خاصة ، بل إن كل ما فى يده هو له وللناس .. فهو ينفق منه فى كل حال .. فى يسره وعسره ، فى سرّائه وضرّائه ، وفى سرّاء الناس وضرائهم ، لا يمنع فضله عن طالبه أبدا!
وقوله تعالى : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) بيان للصفات المكملة للتقوى ، المجمّلة للمتقين ، فمن اتقى الله ، كان رحيما بالناس ، حدبا عليهم ، يلقى إساءتهم بالصفح والمغفرة ، فلا يصل إليهم منه أذى ، بيد أو لسان ..
والكاظمون الغيظ والعافون عن الناس ، هم وإن كانوا فى المتقين المحسنين ، إلا أنهما درجتان فى الإحسان والتقوى .. فالكظم درجة ، والعفو درجة أعلى من تلك الدرجة .. فالذى تلقّى الإساءة وهو قادر على مقابلتها بمثلها ثم أمسك عن الردّ ، وكظم فى نفسه ما أثارته الإساءة فى مشاعره من غيظ ونقمة ، هو على درجة من التقوى والإحسان .. أما إذا ذهب إلى أكثر من