وهنا ذكر المفسرون مقولات كثيرة فى هاتين الطائفتين ، ولو أخذ بتلك المقولات جميعها لشملت المسلمين كلهم ، من مهاجرين وأنصار!
ونحن نحترم صمت القرآن هنا ، ولا نقول من هما هاتان الطائفتان ـ لأنا لا ندرى على وجه اليقين من هما ، ولو درينا لم نر داعية للقول ـ وحسبنا أن نعلم من هذا الحدث أمورا .. منها.
أولا : أن المؤمن لا يخلو فى حال من أن تطرقه وساوس سوء ، أو تدور فى نفسه نزعات شر.
وثانيا : أن صدق الإيمان ، وإخلاص النية يصلان الإنسان بربه ، فيجد من أمداد لطفه ورحمته ، ما يأخذ بيده إذا عثر ، ويشد من عزمه إذا ضعف ، وفى هذا يقول الله فى يوسف ـ عليهالسلام ـ وقد جاءته أمداد السماء ، فصرفت عنه السوء الذي كاد يلمّ به : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٢٤ : يوسف).
ثالثا : أن ما يهمّ به المؤمن من سوء ، وما تحدثه به نفسه من وساوس الشر ، لا يؤاخذ عليه ، حتى يتحول هذا الهمّ وتلك الوساوس إلى عمل ، يؤثّر أثره فى الناس ، وفى الحياة.
على أن الاستسلام لهواجس الشر ، والاستماع الطويل لوساوس السوء ، قد يمكّن لها فى كيان الإنسان ، ويعطى لها سلطانا عليه ، بحيث تصبح يوما فإذا هى مالكة زمام الإنسان ، موجهة له ..
وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يخلى نفسه من تلك الوساوس ، فإنه يستطيع أن يصرفها عنه كلما طرقته ، وألا يعطيها شيئا من قلبه أو غقله ، بل يشغلهما بما هو أجدى وأولى.