ففى جيش المسلمين وقع فى بعض النفوس شىء من التردد والخوف ، وكاد ذلك يكون واقعا يدفع صاحبه إلى الفرار من المعركة قبل وقوعها.
وفى قوله تعالى : (وَاللهُ وَلِيُّهُما) بيان لرحمة الله ولطفه بهاتين الطائفتين من المؤمنين ، إذ ربط على قلوبهم ، وجلى عنهم خواطر الشك والريب ، وثبّت أقدامهم على طريق الجهاد ، فسلم لهم دينهم ، وكان للمسلمين منهم قوة وعونا فى مواجهة العدو.
والهمّ بالشيء تحديث النفس به ، ومراودة صاحبها عليه ، دون أن يتخذ مظهرا عمليّا.
ولم يذكر القرآن الكريم اسم هاتين الجماعتين اللتين همّتا هذا الهمّ السيء. لأن رحمة الله تداركتهما ، فلم يقع منهما ما يسوء ، وكان من تمام رحمة الله ولطفه بهما أن ستر عليهما هذا الهمّ الذي همّتا به!
ثم انظر فى قوله تعالى : (وَاللهُ وَلِيُّهُما) وكيف ترى أن ولاية الله لهما قد ألقت عليهما سترا من بهاء وجلال ، فكانا من أولياء الله وأنصار الله. (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٢٥٧ : البقرة) فهل مع لطف اللطيف ورحمة الرحيم يبقى على الإنسان ذنب أوحوب؟ وكلا ، ثم كلا!
وكعادة المفسّرين ، فى مثل هذه الأمور التي يذكر فيها القرآن الأحداث مطلقة ، من غير تحديد أزمانها أو أمكنتها ، أو أشخاصها ، حيث لا تؤثر الأزمان ولا الأمكنة ولا الأشخاص فى العبر والعظات المستخلصة من الحدث ـ نراهم يجهدون الجهد كله فى البحث عن متعلقات الحدث ، من زمان ومكان وأشخاص ، يجلبونها من كل واد ، ويلتقطونها من كل فم ، ثم يلقونها بين يدى الحدث جثثا هامدة ، مستجدية مستخزية!