وفى كل هذا كانت تنزل آيات القرآن الكريم فاضحة لهم ، ناشرة على الناس ضلالهم وافتراءهم على الله ، وعدوانهم على حدوده.
فحين نزل فيهم قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) (١٦٠ : النساء) وقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ* فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١٤٦ ، ١٤٧ : الأنعام) ـ حين نزل فيهم هذا القرآن الذي يتهمهم بالبغي والعدوان ، وأنهم عوقبوا ببغيهم وعدوانهم هذا العقاب الذي حرّم الله به عليهم ما كان حلّا لأسلافهم من قبل أن تنزل التوراة ـ حين قال فيهم القرآن هذا جعلوا يبدون العجب والدّهش ، ويقول قائلهم : ما هذا القول الذي يحدّث به محمد عنّا؟ وكيف تبلغ به الجرأة على الحق أن يغيّر ويبدّل فى شريعتنا؟
وقد ردّ القرآن عليهم قبل أن ينطقوا بهذا الذي نطقوا به ، ورصد لهم الجواب الذي يفحمهم ويخزيهم ، قبل أن يتساءلوا ويعجبوا ، فى خبث صبيانى مفضوح ، فدعا الله تعالى نبيّه أن يلقاهم بهذا الردّ إن هم كذبوه فيما يتهمهم به القرآن من كذب على الله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) فمع سعة رحمة الله وشمولها ، فإنها لا تنال هؤلاء المجرمين الذين رماهم الله ببأسه ونقمته ، فحرم عليهم طيبات ما أحلّ .. وقد فضحهم الله فى قوله سبحانه : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ