رابعا : فى قوله تعالى : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) ما يكشف عن بعض البلاء النازل بهذا الذي كفر بالله ، فى هذا اليوم ، وأنه لو كان له ملء الأرض ذهبا لسمحت به نفسه فى غير تردد أو مساومة ، ليدفع هذا البلاء ، ويخلص بجلده .. وانظر كيف يسمح يهودى بهذا الذهب كلّه ، ولا تنازعه نفسه إلى أن يحتجز بعضا ، ويترك بعضا؟ ولقد كان مستعدا فى حياته الدنيا أن يبيع نفسه ، لمن يشتريها ـ وقد باعها فعلا ـ لقاء حفنة من تراب هذا الذهب فكيف يلقى بهذا الذهب كله من يده؟ إنه العذاب الأليم الذي يجعله يذهل عن كل شىء حتى المال ، وحتى الذهب.
____________________________________
الآية : (٩٢)
(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٩٢)
____________________________________
التفسير : فى الآية السابقة أهدرت قيمة الذهب ، فكان لا ثمن له فى يد من يملكه ، ولو كان ملء الأرض! إذ ما ذا ينفع المال فى هذا اليوم ، الذي لا بيع فيه ولا شراء؟
ومن هنا لم يكن لهذا المال الذي قدمه الكافر فدية له ، وهو مال كثير ، يملأ وجه الأرض كلها ـ لم يكن له أي أثر فى رفع شر أو جلب خير! .. إنه مال مزهود فيه ، لا تلتفت إليه عين ، ولا تمتد إليه يد ، فهو والتراب سواء!
وفى هذه الآية يبين الله تعالى أن المال الذي يبذل ، وللأنظار مطمح فيه ، وللقلوب علقة به ، وللنفوس هوى إليه ـ هو المال الذي يدفع به الشر ، ويجلب به الخير.