التفسير : قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ).
الاستفهام هنا ليس على حقيقته ، وإنما هو استنكار واستبعاد لمن يطمع من هؤلاء الضالين أن يلبس ثوب المهتدين ، وأن يرجو العون والتوفيق من الله ، بعد أن أعطى الله ظهره ، وكفر به وبآياته المضيئة بين يديه!
وهؤلاء الضالون هم الذين كفروا من أهل الكتاب ـ وخاصة اليهود ـ الذين كفروا بعد إيمانهم .. فقد كانوا قبل بعثة محمد يؤمنون بأن نبيا عربيا سيبعث كما قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (١٥٧ : الأعراف) .. ثم جاءهم النبي المنتظر ، ورأوا فيه وبين يديه دلائل الحق التي تشهد له أنه رسول الله ، ووافقت صفته عندهم ما تحدثت به كتب الله التي بين أيديهم عنه .. ومع هذا أبوا إلا عنادا وكفرا .. فأنكروا كلمات الله ، وجحدوا الحق الذي تحدثهم به ، وبهذا تحولوا من الإيمان إلى الكفر .. كما يقول الله تعالى : (كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) .. وكما يقول سبحانه (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٨٩ : البقرة).
والواو فى قوله تعالى : (وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ) وفى قوله : (وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) يمكن أن تكون للعطف على قوله تعالى : (كَفَرُوا) وهذا يعنى أنهم جمعوا المتناقضات التي لا تستقيم على عقل عاقل .. إذ جمعوا الكفر مع ما شهدوا من الحق الذي يطالعهم من وجه الرسول ، ومع ما بين