فالنبىّ ـ وإن كان بشرا من البشر ، وإنسانا من الناس ـ هو ممن اصطفاه الله ، وتخيره من بين الناس ، ليقوم بالسفارة بين الله وبين وعباده.
والله سبحانه وتعالى ، إنما يتخير سفراءه من صفوة خلقه ، ثم يكملهم ويحمّلهم بما يفيض عليهم من نفحات رحمته ، وغيوث بركاته ، فإذا هم بعد هذا الأدب الربانىّ أكمل الناس كمالا ، وأصدقهم قولا ، وأبعدهم عن مواطن الشبه والريب ، .. بل هم الكمال كله ، والصدق جميعه ، والفضيلة فى تمامها وكمالها ..
فإذا جاء أتباع رسول من رسل الله ، وبأيديهم كتاب يضاف إليه هذا الرسول ، وعلى ألسنتهم كلمات يحسبونها عليه ، ثم كان فى هذا الكتاب ما ينقص من جلاله وكماله ، وكان فى تلك الكلمات ما يجعل لله ما لا ينبغى لذلك الجلال والكمال ـ فآفة ذلك هم الأتباع ، الذين غيروا فى الكتاب وبدّلوا ، وتقوّلوا على الرسول ، ونسبوا إليه ما نسبوا ، زورا وبهتانا ، ليجدوا لما تقوّلوا وزيّفوا طريقا إلى الآذان ، حين ينسبونه إلى الرسول ، ويضيفونه إلى ما تلقوا من كلماته التي هى كلمات الله.
وهذا الموقف يظهر على تمامه ، فيما كان بين المسيح وأتباعه .. فقد جاء المسيح ـ عليهالسلام ـ إلى الناس مرسلا من عند الله ، برسالة قائمة على سنن الأنبياء والمرسلين الذين سبقوه ، كما ينقل ذلك عنه أتباعه فى كلمات صريحة واضحة إذ يقول : «ما جئت لأنقض الناموس والأنبياء بل لأكّمل».
ومع هذا الذي يقوله السيد المسيح ، وينقله عنه أتباعه ، ويؤمنون به ـ فإنهم يلتقون بالسيد المسيح فى آخر المطاف ، فإذا هو الله رب العالمين ، تجسد فى كائن بشرى ، وعاش ما عاش بين الناس ، ثم قدّم نفسه قربانا ليفتدى البشرية ويخلّصها من الخطيئة التي هى ميراث الناس جميعا من أبيهم آدم .. فكان أن عمل المسيح على إثارة ثائرة اليهود عليه ، ليصلبوه ، وليؤدّى بهذا الصلب الفداء