والمعنى : ألأن أوتى المسلمون كتابا من عند الله فاهتدوا ، كما أوتيتم أنتم كتابا من عند الله فلم تنتفعوا به ، وقامت الحجة به عليكم ، ولأن أصبح للمسلمين الحجة عليكم بهذا الكتاب الذي فى أيديهم ، والذي يحدّث عنه كتابكم الذي فى أيديكم ـ ألهذا وذاك جحدتم الحق ، وتنكرتم له ، وحرّفتم كتابكم ليلتقى ما فيه مع أهوائكم ، وليطفىء داء الحسد المتقد فى صدوركم؟
ولقد مكر اليهود بأنفسهم ، وأفسدوا الكتاب الذي فى أيديهم ، والذي يحدّث عن محمد ، ويبشر به وبكتابه الذي أنزله الله عليه ، حتى لا يكون للمسلمين حجة عليهم يلزمونهم بها ، وما تنطق به التوراة من تصديق بمحمد وبكتاب الله الذي معه .. وفى هذا يقول الله تعالى عنهم : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٧٥ ـ ٧٦ البقرة) ذلك أن اليهود كانوا يعلمون ما فى التوراة عن «محمد» وعن رسالته ، وأنّهم قد استقبلوا محمدا من أول الأمر بالتكذيب ، وبادءوه بالعداوة والبغضاء ، فلم يكن لهم ـ والشأن كذلك ـ إلّا يمضوا فى الشوط إلى نهايته ، بل وأن يمعنوا فى التكذيب ، وأن يتطاولوا فى العداوة والبغضاء .. وكان من أسلحتهم فى تلك الحرب أن يطمسوا ما فى التوراة من الحق الذي تتحدث به عن «محمد» ورسالته.
وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) هو ردّ آخر على اليهود الذين أرادوا أن يحتجزوا فضل الله ، وأن يجعلوه خالصا لهم .. شحّا وحسدا أن يصيب أحد خيرا غيرهم .. (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) يسع فضله النّاس جميعا ، دون أن ينقص من فضل الله شىء .. ولكن