ففى آدم ـ بما أودع الله فيه من قوى ـ قدرة على الترقي والاستزادة من المعارف ، بتوجيه ملكاته إلى النظر فى هذا الوجود ، وملاحظة الأسباب والمسببات ، وربط العلل بالمعلولات ، وبهذا يتنقل الإنسان من طور الطفولة إلى الصّبا والشباب والاكتهال والشيخوخة ، وفى كل طور يحمل معارف جديدة إلى الطور الذي يليه ، تعينه على اكتساب معارف أخرى ، ينتقل بها إلى طور آخر ، وهكذا .. ثم هذا التطور الخلّاق الذي يقع فى حياة الإنسان الواحد ، يقع فى الجنس البشرى كله ، حيث يتلقى كل جيل من الجيل الذي قبله جميع معارفه ، وتجاربه ، ويضيف إليها معارف جديدة وتجارب جديدة ، يتركها ميراثا للجيل الذي بعده .. وهكذا.
أما الملائكة .. فهم على حال واحدة ، لا يطرأ عليها تحول ولا تبدل .. فليس لهم طفولة وصبا وشباب وشيخوخة ، كما أنه ليس لهم مع الزمن زيادة فى علم أو معرفة عن طريق الكسب الذاتي ، وإنما يجىء علمهم ومعرفتهم بما يتلقونه من الله تلقيا مباشرا : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) .. وبهذا اختلف الناس ، فكان كلّ إنسان عالما وحده ، له وجوده الذاتي ، وله تفكيره ، وإرادته ، ومنزعه .. فكان فيهم المؤمن والكافر ، والمهتدى والضال ، والعالم والجاهل ..
أما الملائكة فهم نمط واحد ، من الصفاء ، والبهاء ، والطاعة المطلقة ، المستسلمة ، التي لا تنزع عن إرادة ، ولا ترجع إلى نظر وتقدير.
(لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)!.
وعلى هذا ، فالملائكة ـ وإن شرفوا قدرا ، وعلوا منزلة ـ ليسوا أهلا للخلافة على هذا الكوكب الأرضى .. لأن منصب الخليفة يقتضى استقلالا فى تصريف الشئون فيما هو خليفة فيه ، ومتسلط عليه ، كما يقتضى