التفسير : فى إسناد مقول القول «آمنوا» إلى المبنى للمجهول ، ما يشعر بأن ضلالهم ـ قد أصبح من الانكشاف والوضوح بحيث أنطق كل موجود فى محيطهم ، بدعوتهم إلى الاستقامة ، والانتظام فى موكب «الناس» ، الذين صانوا إنسانيتهم عن هذا الانحراف السفيه ، الذي يعيش فيه المنافقون.
ولهذا جاء قول الله تعالى : (كَما آمَنَ النَّاسُ) ولم يجىء : «كما آمن المؤمنون» وفيه ما يدل على أن الإيمان أقرب شىء إلى الفطرة التي فطر الناس عليها ، وأن من شأن الناس أن يستجيبوا لدعوة الإيمان ، وأن من استجاب للرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هم الناس ، ولا اعتبار لغيرهم.
وجاءت فاصلة الآية هنا : «لا يعلمون» على حين أنها جاءت فى الآية السابقة عليها : «لا يشعرون» وذلك لاختلاف المقام هنا وهناك.
(هُمُ الْمُفْسِدُونَ .. وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ)
(هُمُ السُّفَهاءُ .. وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ)
الإفساد فى الأرض ـ مع أنه مما يجابه الحواس ، ويقع فى محيط إحساسها ـ لا يشعر به أولئك المنافقون ، لكثرة ما ألحقوا على هذه الحواس من خداع وتضليل ، ولكثرة ما تعالوا معها بالتعمية والتمويه : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ).
والسّفه ـ مع أنه انحراف حاد عن طريق الحق والخير ـ لا يقع فى علم هؤلاء السفهاء ، ولا يرون فيه ما يرى الراشدون من الناس من حماقة ومنقصة! : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ).