متكافلا تتوزع فيهم خيرات الأرض وأرزاق السماء بحكمة وعدل ، كما يتوزع الدم من القلب على سائر أعضاء الجسد عضوا عضوا!.
وإنفاق العفو الذي لا يضر الإنسان ولا يجور على مطالبه ، هو من البرّ بالمنفق والرحمة له ، حتى لا يحمله الدافع الإنسانى على أن يجاوز الحد فيتحيّف حقّه فى ماله ، ويجوز على نفسه فيما آتاه الله ، فيخرج مما فى يده جملة ، ويصبح فى جبهة المحتاجين بعد أن كان فى جماعة المنفقين ، وتلك حال لا يرضاها الإسلام من المسلم ، إذ الإسلام يريد بهذه المواساة الكريمة أن يستنقذ بعض ذوى الحاجات ليقلّ عددهم ، وتضمر أعدادهم .. وصاحبنا بفعلته هذه ، قد أضاف إلى المحتاجين محتاجا ، وربما لم يكن بما فعل قد استنقذ واحدا منهم ، وإن كان قد أعطى الدواء المسكن لآلام الكثيرين.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢١٩) (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي بمثل هذا البيان الواضح الشافي يبين الله لكم أحكامه فى آياته المحكمة ، لتكونوا على رجاء من التعرف على مواقع الخير والشر ، فتقبلوا على الخير وأهله ، وتجتنبوا الشر ودواعيه ، ولتفرقوا بين ما هو للدنيا وما هو للآخرة ، فذلك هو الذي يقيمكم على الصراط المستقيم.
وفى الانتهاء بفاصلة الآية عند قوله تعالى : (تَتَفَكَّرُونَ) ثم بدء الآية بعدها بقوله سبحانه : (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ـ فى هذا تحريض على استحضار العقل دائما ، ودعوته إلى النظر المطلق فى رحاب هذا الكون ، وفى كل ما يدور فى فلك الحياة .. ثم يجىء بعد هذا ، النظر إلى أمور الدنيا فى مواجهة الآخرة ، وما يدّخر منها لهذا اليوم العظيم ، وعندئذ يجىء النظر صائبا ، ويقع متمكنا ، بعد أن يكون العقل قد دار دورته الشاملة فى هذا الكون الرحيب!! قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) .. خير ما يؤدّى