فالرزق الحسن الذي يتخذ من ثمرات النخيل والأعناب ، ليس منه السّكر الذي يتخذ من هذه الثمرات .. وإلا لكان قد وصف بأنه سكر حسن ، كما وصف الرزق بأنه رزق حسن.
وفى هذا ما يفتح للكثير من ذوى البصائر ؛ سبيلا إلى العزوف عن هذا السّكر وتجنبه ، إذ كان رزقا غير حسن!
(٢) : ثم تجىء الآية الثانية بعد هذا ، وفيها تشنيع على الخمر ، وتقبيح لها ، وفى هذا يقول الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) (٢١٩ : البقرة).
فقد قرنت الآية الخمر إلى الميسر ، وجعلتهما فى مقود واحد ، إذ كانا من فصيلة الشر والفساد على السواء ..
ومن تدبير القرآن الكريم فى هذا أنه لم يغفل الوجه الآخر لهذه المنكرات. فكل شىء وإن بلغ ما بلغ من السوء ، له جانب آخر غير سيىء .. إذ ليس هناك شر خالص ، أو خير محض ، فيما يدور فى دنيا الناس ، وفيما يتقلّبون فيه.
فلم ينكر القرآن هذه الحقيقة الواقعة ، وهى أن للخمر والميسر منافع من بعض الوجوه ، وعند بعض الناس ، ولكن هذه المنافع ليست شيئا إذا هى قيست إلى جانب الإثم والشرّ اللّذان ينجمان منهما.
فإذا ربح إنسان من الميسر مرة ، فإن خسائره المحققة آخر الأمر أضعاف ما ربح ، وإذا كان للخمر عند شاربها لذة أو نشوة فى أول عهده بها ، فإنها تنتهى به إلى تدمير كامل ، لقواه العقلية والجسدية والنفسية ، إن لم يكن فى جميع الأحوال ففى غير قليل منها.