شقوتهم ، وتقهرهم نزواتهم الشريرة الكامنة فيهم ، فينقضون هذا الميثاق : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ، وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ ، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ).
ومن عجب هؤلاء القوم أنهم إذ يخرجون فريقا منهم من ديارهم ظلما وعدوانا ، فإنهم إذا وقع إخوانهم هؤلاء ليد أعدائهم وعرض عليهم فداؤهم من الأسر ، قبلوا ذلك ، وبذلوا لهم من أموالهم .. فكيف يلتقى هذا العمل الطيب ، مع العمل الرديء الذي سبقه؟ كيف يضربون إخوانهم بأيديهم ويخرجونهم من ديارهم وأموالهم ، ثم يعودون فيحررونهم من الرق ، إذا أسروا؟
والأمر وإن بدأ متناقضا ، إلا أنه مستقيم مع طبيعة هؤلاء القوم ، التي تتحكم فيها الأنانية وحب الذات ..
فالأخوّة عندهم ليست أخوة على إطلاقها ، فى السرّاء والضراء ، وإنما هى أخوّة ما جلبت نفعا ذاتيا ، وحققت مصلحة خاصة ، أما إذا لم يكن ذلك من معطياتها فهى أخوّة ذئاب ، إذا جرح ذئب فيها لم يحملوه ، بل أكلوه!
هذا شأنهم مع وصايا الرسل والأنبياء ، ومع كل ما يحمل إليهم من أمر أو نهى .. يتخيرون ما يرضيهم ، ويعرضون عما لا يقع منهم موقع الرضا والقبول ، على المستوي المادي ، وفى حدود الدائرة الذاتية ، التي يعيش كل منهم فيها بنفسه ولنفسه! ولهذا أنكر الله عليهم هذا الموقف اللئيم ، وتوعدهم عليه بقوله : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ ، وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ؟ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ، وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
والخزي الذي ينالهم فى هذه الدنيا. هو من تبدل مواقفهم فى الأمر الواحد ،