وكان يقوم إلى محرابه كأنه رجل مخاطب.
وعن محمد بن عبد الله الخزاعي قال : صلّى عبد الواحد بن زيد الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة.
وقال ابن الأعرابي في (طبقات النّسّاك) : كان الغالب على عبد الواحد العبادة والكلام في معاني الزهد ، فارق عمرو بن عبيد لاعتزاله وصحّح الاكتساب ، وقد نسب إلى القدر ولكن ما كان الغالب عليه الكلام فيه. وتبعه خلق من النسّاك فنصب نفسه للكلام في مذاهبهم ونأى عن المعتزلة وعن أصحاب الحديث. قال : وقد كان مالك بن دينار وثابت يقصّان أيضا إلا أنهما كانا من أهل السنّة.
صحب عبد الواحد خلق كحيان الجريريّ ورباح القيسي ، وأما مقسم وعطاء السلمي فغلب عليهما الخوف حتى خيف على عقليهما واعتزلا الناس فكان عبد الواحد أشد افتتانا وأدخل في معاني الخصوص والمحبة. وكان قد بقي عليه من رؤية (١) الاكتساب شيء كما بقي عليه من أصول القدر ، وذلك أن أهل القدر عندهم أنه لا ينجو إلا بالعمل ومذهب السنة هو الاجتهاد في العمل وأنه ليس هو الّذي به ينجون دون رحمة الله ، قال عليهالسلام : (لن ينجي أحدكم عمله ـ الحديث).
قال : وكان عبد الواحد قد ساح وسافر إلى الشام ورأى ثابتا فتناقص عنه بعض القدر وزعم أنه لا يقول إن الله يضلّ العباد تنزيها له (٢) ، وخفي عليه من قول القدرية أنهم يدبّرون أنفسهم ويزكّونها بأعمالهم لما كان يشاهد في معاملته لله ضرورة من موازين الأعمال وزيادة النفس والمواهب في القلوب (٣) ،
__________________
(١) محرفة في الأصل ، وفي سير أعلام النبلاء (رؤية) وتحريف الأصل يحتملها.
(٢) في الأصل (يضل تنزيها). والزيادة من (سير أعلام النبلاء).
(٣) كذا في الأصل.